لورنس العرب
(الكولونيل توماس إدوارد لورنس)
(1888-1935
يُعد توماس إدوارد لورنس إحدى الشخصيات الفريدة التي سيطرت على خيال واهتمام الرأي العام الإنكليزي والعربي في الربع الأول من القرن التاسع عشر، وظل اسمه ينهض من النسيان كلما طرأ حادث سياسي إقليمي كبير على منطقة الشرق الأوسط، فقد حوّله عشقه للصحراء العربية من طالب آثار في جامعة اكسفورد إلى عنصر فاعل في تشكيل الوضع السياسي النهائي لبلدانها الحديثة، إذ تعتبر (خريطة لورنس) التي عرضها المتحف الحربي البريطاني عام 2006 بمناسبة مرور سبعين عاماً على رحيل لورنس، بمثابة رقعة تاريخية لا يمل السياسيون من التأمل في خطوطها الجغرافية - السياسية التي رسمت مصير المنطقة بعد انسحاب الأتراك منها، والممتدة من شمال سوريا والعراق الحاليين حتى السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية.
ولورنس شخصية معقّدة (مركّبة) وكان التعقيد أحد أسباب غناها الإبداعي. فهو طَموح، نَزَوي، انطوائي، مغامر، شجاع، حاد الذكاء، وكتابه "أعمدة الحكمة السبعة" الذي وضعه بعد عودته من الصحراء العربية إلى إنكلترا هو الذي جلب له الشهرة وليست أفعاله الميدانية، إذ امتاز الكتاب بلغة جيدة غلَبَ عليها الطابع الأدبي، مثلّتْ للكثيرين إنجازاً سردياً رفيعاً، ولولا هذا التقدير من النقاد لما نالت مغامرته في الجزيرة الاهتمام الكبير من قبل السياسيين والكتّاب والصحفيين.
وقبل لورنس عمل عدد كبير من الكتّاب الإنكليز كضباط في جهاز المخابرات البريطاني في الحربين الأولى والثانية للدفاع عن بلدهم، بَيدَ أن لورنس برز من بينهم بمغامرته الكبيرة في محاربة الوجود العسكري العثماني في شبه الجزيرة، إلى جانب شخصيات عربية مرموقة مثل الشريف حسين بن علي وأولاده الأمير فيصل وأخيه الشريف عليّ، الذين قادوا الثورة ضد السيطرة التركية التي استمرت أربعة قرون بذريعة الخلافة الإسلامية، حيث سوّغ بها الأتراك هيمنتهم الاستعمارية على العرب باسم الدين.
اكتشاف لورنس لخداع السياسيين الإنكليز بعد أن قضوا مآربهم منه، جعل الشعور بالخجل والعار إزاء أصدقائه العرب يلازمه بقية أيام حياته، ويقال إنها عملت على تدمير حياته، وحرمته الاستفادة من الشهرة الكبيرة التي حققها، لذلك رفض وساماً ملكياً لما قام به من أعمال، كما رفض استلام راتب الخدمة الذي خصصته له وزارة الدفاع.
لم تنقطع شهرة لورنس، ولم يخفت اهتمام الرأي العام بكتبه أو بمغامرته في الصحراء العربية، لكنه أمضى حياته الباقية في إنكلترا منطوياً على نفسه، تنتابه حالات شديدة من الكآبة، ثم جاء حادث اصطدام دراجته البخارية الروزرايس الذي أودى بحياته ليكمّل الملامح الأخيرة لصورة الأسطورة عن "لورنس العرب" أو Lawrence of Arabia.